الحلقة الخامسة
" ما بين الفقر و اليسر."
المذيع.
"السادة المشاهدين المحترمين ، نعود إليكم و بعد غيبه للحوار مع الشخصية التى قسمت التاريخ إلى نصفين، شخصية محورية فى هذه الأرض ، ولكن التواضع و البساطة هو الطابع المميز لهذا الشخص . و الآن نلتقى مع السيد المسيح عيسى بن مريم. أو بإختصار ، المسيح."
و تحولت الكاميرا نحو الجالس النحيف و الجالس فى أقل منتصف الكرسي الأثير، إبتسم الضيف و أومأ لتحية المشاهدين عبر الشاشات دون أن يتحدث.
المذيع ، " و الآن سيدى المسيح ، بعد الشكر على الحضوركم الكريم ، سؤال اليوم ، هو، " ما بين الفقر و اليسر." توقف المذيع ليلتقط الأنفاس و عاود الحديث، "سيدي ، أنت تعلم ما تمر به منطقتنا من تباين ، ما بين جوع شديد، و ثراء فاحش . هل الغنى و اليسر مقياس رضا الخالق عز وجل ؟ و هل الفقر علامة عدم رضا الإله على البشر ؟ و هل المحظوظين أكثر إيماناً؟ و المعدمين أقل إيماناً؟ فماذا إذن تقول يا سيدى؟"
و مره أخرى تحولت الكاميرا نحو الضيف الغامض ، هادئ الصوت.
"تحيه لكم يا شعوب الأرض ، كما أحيي المذيع على هذا السؤال الرائع ، لأن الغنى و الفقر من المفارقات فى هذه الحياة ، و لكن الغنىَ و الفقر لا علاقة لهم برضا ألله من عدمه ، بالطبع، الغنىَ محبوب و الفقر مكروة لدى بنى الإنسان ، لكن ألله ينظر إلى القلب فقط ، و عطايا ألله الأكثر اهمية هى الأبعد عن الغنى و الفقر. عطايا ألله الثمينة مثل ، الإيمان، الضمير المتيقظ للخير و الشر، النشاط و حب العمل و الأمانة ، كل هذة عطايا من الله و لكنها ليست مادية. لابد للمشاهدين من معرفة أمر هام. ألله يحب الجميع ، المسيحيين ، مثلهم مثل المسلمين و كذلك الملحدين. إن ألله إسمه العادل ، و العادل لا يفرق فى محبته لجميع البشر ، و إللا صار غير عادلاً ، و حاشا لله أن يكون كذلك. و لكن الموضوع الهام هو ، إن الله يدعو جميع البشر للدخول فى علاقة أعمق معه. "
و كان المسيح يتحدث و عيناه مركزتان على الكاميرا ، حتى يراة الجميع بكل الوضوح ، و إستكمل، "إن ألله يريد أن يدخل مع كل فرد ، من جميع البشر ، على حدة فى علاقة خاصة. تلك العلاقة الخاصة لا تعتمد على الماديات بل فوقها ، و هى علاقة روحانية فقط ، و المثال على ذلك ن الرهبان فى الأديرة ، تركوا العالم، إقتراباً لله روحياً ، و كذلك الصوفيون أيضاً ، فهم ينشدون و يبتهلون فى علاقة سامية مع الله ، و يمكن للبشر العاديين الدخول فى تلك العلاقة الهامة بالله. هى علاقة الإيمان بالله. و لان الله روح و عطاياة الغالية روحية ، فإن الغنى و الفقر هم حالات وقتية على الإرض ، و ليس لها علاقة بالخلود. و بذلك يمكن للمؤمن أن يكون غنياً أو فقيراً. و إليكم من التوراة بعض الآيات، من سفر حبقوق إصحاح الثالث و الآيات من 17-19 . و تقول ،
" فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ، وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ. يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ، وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَامًا. يَنْقَطِعُ الْغَنَمُ مِنَ الْحَظِيرَةِ، وَلاَ بَقَرَ فِي الْمَذَاوِدِ، فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلهِ خَلاَصِي. اَلرَّبُّ السَّيِّدُ قُوَّتِي،وَيَجْعَلُ قَدَمَيَّ آَالأَيَائِلِ، وَيُمَشِّينِي عَلَى مُرْتَفَعَاتِي."
و المتحدث هنا مصاب بالقحط الشديد ، و مع ذلك عالى المعنويات و ليس هذا فقط ، بل يبتهج و يفرح ، لماذا هذا الإبتهاج ، يا تُرى ؟
و هنا يكمل قائلاً ن السيد الرب قوتي . و هذا هو الأساس فى العلاقة مع الخالق ، أن العلاقة قوية و متينه، ليس للحالة المادية أى تأثير ، و لكنه يتغلب على مصاعبه كما تتغلب الآيائل على المرتفعات ."
و توقف المسيح لحظة، و هو يخاطب البشر من خلال الكاميرا ، و بدت عيناه العسليتان المتضعتان، ثم عاود الحديث ،"أخشي أن يكون كلامى شديد الصعوبة ، و يمكنكم مشاهدة ما قلت مرات أخري. و السؤال يجب أن يكون كما يلى ، هل الإنسان يطلب العطية ، أم العاطي؟ إن كان يطلب العطية ، فهو يطلب الاشياء الدنيوية ، كالمال و البنون و الصحة و غيرهم الكثير. أما الذى يطلب العلاقة مع العاطى، عالماً أن الله سيتولاة بالرعاية بغض النظر الأمور الدنيوية ، هذا من يدخل بعلاقته بالله سبحانه ن أسمى من الماديات ، و هنا يدخل البشر فى الروحانيات. و تلك حلقة أخرى."
و قبل أن تتحول الكاميرا نحو المذيع ، كان المشاهدون يرون المسيح و هو يختفى عن الأنظار بهدوء ، فى مشهد عجيب.